بما أن الأحوال سيئة والبلد تحترق بالمعنى الحرفى للكلمة، فقد قررت أن أبتعد بك بعض الوقت إلى واحة منعشة ننسى فيها ما هو كائن وما سيكون. سوف نتكلم عما كان
لم ألق الأديب عمر طاهر من قبل إلا من خلال كتاباته، وعندما قابلته فى إحدى حفلات التوقيع لم أتوقع كم هو صغير السن. ربما سبب انطباعى السابق عنه هو هذا الرأس الأصلع والوجه المتجهم فى الصورة التى يستعملها دائمًا، وعلى كل حال أعتقد أنه جاء من ذات المنجم الذى جاء منه العزيز بلال فضل من قبل؛ وهناك سمات عامة تحدد القادمين منه: سن صغيرة لا تتفق مع هذه الموهبة والنظرة الناضجة للأمور - موهبة لا شك فيها - قراءات واسعة - تجربة عريضة مع قدر لا بأس به من المرمطة السابقة، فهو ليس (أفنديًا) على الإطلاق - قدرة على عزف السلم الموسيقى كاملاً من ذروة الجدية والتجهم إلى ذروة المرح والسخرية. لا أطلق على أى منهم أنه كاتب ساخر، لأن هذا يحاصر منطقة إبداعه فى خانة السخرية. إنه أديب وكفى.. يبكيك إذا اقتضى الأمر ويضحكك إذا اقتضى الأمر
قرأت مؤخرًا كتاب (زمن الغم الجميل) آخر إصدارات عمر طاهر، فوجدت أنه يجمع مجموعة من مقالاته قبل ثورة يناير. كانت أعوامًا صاخبة خطرة، وكان بوسع أى طفل أن يدرك أن الأمور لن تظل على هذه الوتيرة للأبد. كان السيل قد بلغ الزبى مع مقتل خالد سعيد وانتخابات مجلس الشعب المخجلة التى لفقها عز. كنا نشعر بقدوم شيء ما لكننا لا ندرك كنهه ولا صورته، وبدت لنا سلطة مبارك راسخة أزلية لا يمكن القضاء عليها إلا بعصيان مدنى منظم. وكان عبد الحليم قنديل يدعو بلا توقف لمظاهرة المئة ألف التى سوف تسقط أركان الحكم لا محالة!.. لم نكن نعرف مصطلح مليونيات وقتها
أمور غريبة أشعر كأنها حدثت منذ دهور، وتذكرك بقصيدة نزار قبانى:ـ
«أتلو رسائلنا فتضحكنى.. أبمثل هذا السخف قد كنا؟»
قام عمر طاهر بجمع مقالاته التى كتبها قبل الثورة، وهى تعكس بالضبط بانوراما لبلد موشك على الانفجار.. النتيجة ممتعة جدًا وتخبرك بالكثير عن أنفسنا وعن هذا البلد. وهو يذكرك بتلك الأيام فى المقدمة فيقول: «أيام كان طموح الوطنيين أن ينجح المعارضون فى انتخابات البرلمان: مصطفى بكرى عن دائرة حلوان، والبدرى فرغلى عن بورسعيد، وحمدين صباحى عن البرلس............أيام كنا نحلم أن تعود أيام اللوء أحمد رشدى فى الداخلية، بينما نتبادل قصصًا أسطورية عن حملاته على أقسام الشرطة»ـ
«أيام كان طموح بعضنا أن يأتى إسماعيل الشاعر وزيرًا للداخلية لكونه أرحم من العادلى»
هل حدث هذا حقًا؟.. لشد ما تغيرت الأمور.. ما أذكره هو أنه كانت هناك حالة من الظمأ لبطل تتعلق به قلوب الناس، وهكذا كان حلم أحمد رشدى الراكب على حصان أبيض، وحلم إسماعيل الشاعر.. وكان كثيرون يؤمنون بعمر سليمان باعتباره الرجل الشريف الخطير الصامت، والذى لا يتفق مع مبارك تمامًا، ويعرف كل شىء
يواصل عمر طاهر: «أيام كنا نرى أن مبارك أرحم من جمال مبارك..»ـ
تلك كانت أيام الإعجاب بأسامة الباز والجويلى والجنزورى ومصطفى الفقى. تمسكنا بصور خيالية نعتقد أنها قادرة على تحريرنا.. ولم نكن نعرف أن العاصفة قادمة لتطير كل شىء وتجتث كل شىء، وأن الزمن القادم سيفرز رموزه.. من منا كان يعرف أسماء مثل وائل غنيم أو شادى الغزالى حرب أو أحمد دومة أو باسم يوسف أو الجخ؟.. أنا كنت أعرف أن للشاعر أحمد فؤاد نجم ابنة اسمها نوارة.. بس كده
يقول عمر: «أيام كان التنفيث متاحًا فى حدود جريدة الدستور قبل أن يجرى لها د. السيد البدوى جراحة إزالة الرحم.. ومتابعة برنامج القاهرة اليوم قبل أن يتم رفع عمرو أديب من الشاشة..»ـ
صحيح.. نسينا تمامًا قصة جريدة الدستور واللعبة التى لعبوها للخلاص من إبراهيم عيسى. د. السيد البدوى الآن من عتاة الثوار.. هناك أشياء يجب ألا ننساها
يواصل عمر طاهر سخريته فيقول إننا كنا قبل الثورة نخشى دخول أقسام الشرطة.. بعد الثورة لم تعد هناك جدوى من دخول أقسام الشرطة!.. كنت تخاف عندما تقترب من لجنة مرور.. بعد الثورة صارت اللجان مهمة قطاع الطريق. قبل الثورة كنت تحتاج لواسطة للحصول على فرص عمل لأبنائك.. بعد الثورة قضى المجلس العسكرى على فرص العمل أساسًا
يقول فى نهاية المقدمة إن الأمر يشبه قطعpuzzle كبير عليك أن تعيد تركيبه لتخرج بصورة عامة. أما عن عنوان (الغم) فالسبب معروف، وأما لماذا هو جميل فلأنه كان مفتاح الثورة.. ولأن كل أيام ربنا جميلة بالفعل هذه نقطة مهمة جدًا.. أحمد عز وجمال بيه مبارك هما مفجرا ثورة يناير ولا شك فى هذا. كراهية النظام ومبارك كانت قوية جدًا مما جعل مصر كلها تتوحد وبقوة.. لما انتهى مبارك بدأت الفرقة من جديد تستمتع بمقالات الكتاب فعلاً، وهى تمضى بك فى رحلة واسعة بين موانئ الذكريات، لكن للكتاب ذلك العيب الكامن فى كل الكتب التى تجمع المقالات القصيرة، ويتكرر كثيرًا فى كتبى، وهو سرعة الانتقال من فكرة لأخرى وعدم التجانس. هذا النوع من الكتب يحتاج لعملية تصنيف صارمة ودقيقة، فمن الممكن دومًا تقسيم الكتاب إلى فصول. يمكنك أن تدرك أن هناك مجموعة مقالات تختص برمضان ومقالات كروية تحتل حيزًا محترمًا.. إن عمر طاهر من الزملكاوية المخضرمين. هناك مقالات تخص وزارة الداخلية ومقالات عن مجلس الشعب. هناك مقالات فنية نقدية قبل الثورة وبعدها لفترة طويلة، كنت متحمسًا جدًا للدكتور البرادعى، وكنت أعرف يقينًا أننى سأنتخبه، وأنضم لحملة الدعاية له لو رشح نفسه رئيسًا للجمهورية. لهذا اندهشت عندما وجدت أن عمر طاهر لم يكن متحمسًا له وقتها. يقول إنهم يتحمسون له كما يتحمس مجلس إدارة الزمالك لأسماء كبيرة سرعان ما تفشل لأنها لا تعرف احتياجات الفريق. يقول إن البرادعى لم يعش فى مصر منذ عام 1964 سوى ستة أعوام. ليس على دراية بالمصالح المتشابكة والكوادر المهمة ولا يعرف سعر تذكرة المترو أو أرقام البطالة وأسماء المرشحين فى انتخابات أى نقابة، أو كيف يرضى شعبًا شكاكًا بطبعه. يرى أن خبرة البرادعى العريضة لا تناسب طبيعة مشاكلنا، وكما يقول عادل إمام: «البلد مش محتاجة مهندسين.. البلد محتاجة صيع !». طبعًا ما زلت لا أوافق على هذا الرأى، وأرى أن اهم مزايا البرادعى كانت هى تلك النظرة الفوقية خارج المستنقع.. لهذا يبدو أحيانًا عسير الفهم متشددًا هناك جزء لا بأس به من الكتاب يتحدث عن مباراتنا مع الجزائر، وهو ممن يرون أن المنتخب الجزائرى حالة فريدة لأنه يمارس نوعًا أكيدًا من الترهيب والاستفزاز. إنه يدعو لدق طبول الحرب صراحة، ويقول: «أنا أيضًا مش دبلوماسى ولن أتخلى عن تعصبى يوم المباراة.. أعطوا كل لاعب جزائرى وردة وسأذكرك عزيزى القارئ، سترى كل لاعب يلتهم الوردة أمام الكاميرات على سبيل استفزاز لاعبينا»ـ
هذه المباراة جزء مهم من الواقع السياسى قبل الثورة، ونحن نعرف دور ولدي مبارك فى هذه القصة
هكذا ينتقل الساحر الشاب من موضوع لموضوع، فتشعر أحيانًا أنك كنت فاقد الذاكرة، وأن قطاعات كاملة من ذكرياتك كانت مظلمة حتى أضاءها. والنتيجة النهائية مفيدة لنا وسط هذا الهباب الذى نعيش فيه: لنتذكر أن حياتنا لم تكن رائعة وقتها بل كانت سيئة، ولم يكن هناك أمل من أى نوع. أكتفى بهذا القدر وأقتبس عبارة جميلة من 70678 عبارة صالحة للاقتباس: «فى بلد من النادر أن تغير فيه القراءة شيئًا، يصبح مقالى جريمة، لكن عزائى الوحيد أننا فى بلد يتغاضى فيه الناس عن الجريمة من أجل جسم الجريمة!». جسم الجريمة الذى سيلف فيه بقال علبة سلامون أو يلف فيه بائع شبشبا أو تشعل به ربة بيت وابور جاز.. أو يلف فيه صيدلى عازلاً طبيًا لشاب خجول، أو يغطون به جثة على الطريق الصحراوى.. أو.. أو..ـ
لم ألق الأديب عمر طاهر من قبل إلا من خلال كتاباته، وعندما قابلته فى إحدى حفلات التوقيع لم أتوقع كم هو صغير السن. ربما سبب انطباعى السابق عنه هو هذا الرأس الأصلع والوجه المتجهم فى الصورة التى يستعملها دائمًا، وعلى كل حال أعتقد أنه جاء من ذات المنجم الذى جاء منه العزيز بلال فضل من قبل؛ وهناك سمات عامة تحدد القادمين منه: سن صغيرة لا تتفق مع هذه الموهبة والنظرة الناضجة للأمور - موهبة لا شك فيها - قراءات واسعة - تجربة عريضة مع قدر لا بأس به من المرمطة السابقة، فهو ليس (أفنديًا) على الإطلاق - قدرة على عزف السلم الموسيقى كاملاً من ذروة الجدية والتجهم إلى ذروة المرح والسخرية. لا أطلق على أى منهم أنه كاتب ساخر، لأن هذا يحاصر منطقة إبداعه فى خانة السخرية. إنه أديب وكفى.. يبكيك إذا اقتضى الأمر ويضحكك إذا اقتضى الأمر
قرأت مؤخرًا كتاب (زمن الغم الجميل) آخر إصدارات عمر طاهر، فوجدت أنه يجمع مجموعة من مقالاته قبل ثورة يناير. كانت أعوامًا صاخبة خطرة، وكان بوسع أى طفل أن يدرك أن الأمور لن تظل على هذه الوتيرة للأبد. كان السيل قد بلغ الزبى مع مقتل خالد سعيد وانتخابات مجلس الشعب المخجلة التى لفقها عز. كنا نشعر بقدوم شيء ما لكننا لا ندرك كنهه ولا صورته، وبدت لنا سلطة مبارك راسخة أزلية لا يمكن القضاء عليها إلا بعصيان مدنى منظم. وكان عبد الحليم قنديل يدعو بلا توقف لمظاهرة المئة ألف التى سوف تسقط أركان الحكم لا محالة!.. لم نكن نعرف مصطلح مليونيات وقتها
أمور غريبة أشعر كأنها حدثت منذ دهور، وتذكرك بقصيدة نزار قبانى:ـ
«أتلو رسائلنا فتضحكنى.. أبمثل هذا السخف قد كنا؟»
قام عمر طاهر بجمع مقالاته التى كتبها قبل الثورة، وهى تعكس بالضبط بانوراما لبلد موشك على الانفجار.. النتيجة ممتعة جدًا وتخبرك بالكثير عن أنفسنا وعن هذا البلد. وهو يذكرك بتلك الأيام فى المقدمة فيقول: «أيام كان طموح الوطنيين أن ينجح المعارضون فى انتخابات البرلمان: مصطفى بكرى عن دائرة حلوان، والبدرى فرغلى عن بورسعيد، وحمدين صباحى عن البرلس............أيام كنا نحلم أن تعود أيام اللوء أحمد رشدى فى الداخلية، بينما نتبادل قصصًا أسطورية عن حملاته على أقسام الشرطة»ـ
«أيام كان طموح بعضنا أن يأتى إسماعيل الشاعر وزيرًا للداخلية لكونه أرحم من العادلى»
هل حدث هذا حقًا؟.. لشد ما تغيرت الأمور.. ما أذكره هو أنه كانت هناك حالة من الظمأ لبطل تتعلق به قلوب الناس، وهكذا كان حلم أحمد رشدى الراكب على حصان أبيض، وحلم إسماعيل الشاعر.. وكان كثيرون يؤمنون بعمر سليمان باعتباره الرجل الشريف الخطير الصامت، والذى لا يتفق مع مبارك تمامًا، ويعرف كل شىء
يواصل عمر طاهر: «أيام كنا نرى أن مبارك أرحم من جمال مبارك..»ـ
تلك كانت أيام الإعجاب بأسامة الباز والجويلى والجنزورى ومصطفى الفقى. تمسكنا بصور خيالية نعتقد أنها قادرة على تحريرنا.. ولم نكن نعرف أن العاصفة قادمة لتطير كل شىء وتجتث كل شىء، وأن الزمن القادم سيفرز رموزه.. من منا كان يعرف أسماء مثل وائل غنيم أو شادى الغزالى حرب أو أحمد دومة أو باسم يوسف أو الجخ؟.. أنا كنت أعرف أن للشاعر أحمد فؤاد نجم ابنة اسمها نوارة.. بس كده
يقول عمر: «أيام كان التنفيث متاحًا فى حدود جريدة الدستور قبل أن يجرى لها د. السيد البدوى جراحة إزالة الرحم.. ومتابعة برنامج القاهرة اليوم قبل أن يتم رفع عمرو أديب من الشاشة..»ـ
صحيح.. نسينا تمامًا قصة جريدة الدستور واللعبة التى لعبوها للخلاص من إبراهيم عيسى. د. السيد البدوى الآن من عتاة الثوار.. هناك أشياء يجب ألا ننساها
يواصل عمر طاهر سخريته فيقول إننا كنا قبل الثورة نخشى دخول أقسام الشرطة.. بعد الثورة لم تعد هناك جدوى من دخول أقسام الشرطة!.. كنت تخاف عندما تقترب من لجنة مرور.. بعد الثورة صارت اللجان مهمة قطاع الطريق. قبل الثورة كنت تحتاج لواسطة للحصول على فرص عمل لأبنائك.. بعد الثورة قضى المجلس العسكرى على فرص العمل أساسًا
يقول فى نهاية المقدمة إن الأمر يشبه قطعpuzzle كبير عليك أن تعيد تركيبه لتخرج بصورة عامة. أما عن عنوان (الغم) فالسبب معروف، وأما لماذا هو جميل فلأنه كان مفتاح الثورة.. ولأن كل أيام ربنا جميلة بالفعل هذه نقطة مهمة جدًا.. أحمد عز وجمال بيه مبارك هما مفجرا ثورة يناير ولا شك فى هذا. كراهية النظام ومبارك كانت قوية جدًا مما جعل مصر كلها تتوحد وبقوة.. لما انتهى مبارك بدأت الفرقة من جديد تستمتع بمقالات الكتاب فعلاً، وهى تمضى بك فى رحلة واسعة بين موانئ الذكريات، لكن للكتاب ذلك العيب الكامن فى كل الكتب التى تجمع المقالات القصيرة، ويتكرر كثيرًا فى كتبى، وهو سرعة الانتقال من فكرة لأخرى وعدم التجانس. هذا النوع من الكتب يحتاج لعملية تصنيف صارمة ودقيقة، فمن الممكن دومًا تقسيم الكتاب إلى فصول. يمكنك أن تدرك أن هناك مجموعة مقالات تختص برمضان ومقالات كروية تحتل حيزًا محترمًا.. إن عمر طاهر من الزملكاوية المخضرمين. هناك مقالات تخص وزارة الداخلية ومقالات عن مجلس الشعب. هناك مقالات فنية نقدية قبل الثورة وبعدها لفترة طويلة، كنت متحمسًا جدًا للدكتور البرادعى، وكنت أعرف يقينًا أننى سأنتخبه، وأنضم لحملة الدعاية له لو رشح نفسه رئيسًا للجمهورية. لهذا اندهشت عندما وجدت أن عمر طاهر لم يكن متحمسًا له وقتها. يقول إنهم يتحمسون له كما يتحمس مجلس إدارة الزمالك لأسماء كبيرة سرعان ما تفشل لأنها لا تعرف احتياجات الفريق. يقول إن البرادعى لم يعش فى مصر منذ عام 1964 سوى ستة أعوام. ليس على دراية بالمصالح المتشابكة والكوادر المهمة ولا يعرف سعر تذكرة المترو أو أرقام البطالة وأسماء المرشحين فى انتخابات أى نقابة، أو كيف يرضى شعبًا شكاكًا بطبعه. يرى أن خبرة البرادعى العريضة لا تناسب طبيعة مشاكلنا، وكما يقول عادل إمام: «البلد مش محتاجة مهندسين.. البلد محتاجة صيع !». طبعًا ما زلت لا أوافق على هذا الرأى، وأرى أن اهم مزايا البرادعى كانت هى تلك النظرة الفوقية خارج المستنقع.. لهذا يبدو أحيانًا عسير الفهم متشددًا هناك جزء لا بأس به من الكتاب يتحدث عن مباراتنا مع الجزائر، وهو ممن يرون أن المنتخب الجزائرى حالة فريدة لأنه يمارس نوعًا أكيدًا من الترهيب والاستفزاز. إنه يدعو لدق طبول الحرب صراحة، ويقول: «أنا أيضًا مش دبلوماسى ولن أتخلى عن تعصبى يوم المباراة.. أعطوا كل لاعب جزائرى وردة وسأذكرك عزيزى القارئ، سترى كل لاعب يلتهم الوردة أمام الكاميرات على سبيل استفزاز لاعبينا»ـ
هذه المباراة جزء مهم من الواقع السياسى قبل الثورة، ونحن نعرف دور ولدي مبارك فى هذه القصة
هكذا ينتقل الساحر الشاب من موضوع لموضوع، فتشعر أحيانًا أنك كنت فاقد الذاكرة، وأن قطاعات كاملة من ذكرياتك كانت مظلمة حتى أضاءها. والنتيجة النهائية مفيدة لنا وسط هذا الهباب الذى نعيش فيه: لنتذكر أن حياتنا لم تكن رائعة وقتها بل كانت سيئة، ولم يكن هناك أمل من أى نوع. أكتفى بهذا القدر وأقتبس عبارة جميلة من 70678 عبارة صالحة للاقتباس: «فى بلد من النادر أن تغير فيه القراءة شيئًا، يصبح مقالى جريمة، لكن عزائى الوحيد أننا فى بلد يتغاضى فيه الناس عن الجريمة من أجل جسم الجريمة!». جسم الجريمة الذى سيلف فيه بقال علبة سلامون أو يلف فيه بائع شبشبا أو تشعل به ربة بيت وابور جاز.. أو يلف فيه صيدلى عازلاً طبيًا لشاب خجول، أو يغطون به جثة على الطريق الصحراوى.. أو.. أو..ـ